الأحد، 29 مارس 2015

قَسَمٌ للقُدس مِنْ جيلٍ قادم



قَسَمٌ للقُدس مِنْ جيلٍ قادم

قِيلتْ هذه القصيدةُ منذ حواليْ خمسةٍ وثلاثين عامًا، تأثرًا بكلمةٍ قرأتُها في جريدة "الأهرام" لمناحم بيجن، رئيسِ الوزراءِ الإسرائيلي في ذلك الوقت. قال: "ستبقى القدسُ عاصمةً لإسرائيلَ إلى الأبد". وظلَّ المعنى يترددُ طَوالَ هذه الحقبةِ على ألسنةِ خُلفائه، دون أدنى مبالاةٍ بالمفاوضاتِ الدائرةِ حولَ السلام. قصيدةٌ قديمةٌ. لكنْ جدَّدتْها المناسبة. جدَّدها استمرارُ البَغيْ و الصَّلَفِ والعُدوان، وعدمُ احترامِ المواثيق. جدَّدها أنّا – فيما يبدو – لا نُخيف.
وللهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بعد.
يَلُوحُ، ها هو ذا    غَيَّرهُ الـهَـمُّ
يـلـوحُ، فَـلتَنْحَسِرْ    يأيُّها الغـيـمُ
--
ها هو ذا وَجْهُها    فَوْقَ مُصَلَّى عُمَرْ
كالنجمِ ، لكنّما    أَوْهَي سناهُ القَدَرْ
--
عينانِ أوْمَضَتا    فانطبقَ الجَفْنَانْ
كيْلا يسيلَ الأسَى    مِنْ وطأةِ الإذعانْ
--
ما هذه النظرةْ    كأنها جَمْرَةْ
ذا كِبرُها طاويًا    عن الوَرَى سِرَّهْ
--
يا دَمعَها ارْفَضَّ لا …  يذهبْ بها الكَمَدُ
دعيهِ يا أختُ، مَا    خَالٍ كَمَنْ يَجِدُ
--
دعِي الجَوى ينْهَلّْ،    فربّما يَنْسَلّْ
آدَتْكِ مسألةٌ،   وفي يديْنا الحلّْ
--

ها هو ذا صوتُها    أذَّنَ للفجرِ
اللهُ أكبرُ مِنْ    طاغٍ و مُغْترِّ
--
فلَمْ يُجِبْ محرابْ    رجْعَ الصَّدىَ المنسابْ
وانــــداحَ مُـخْـتَنِـقـًـا،    فالجْـنـدُ بالأبـوابْ
--
أقامَهمْ أنَّنا    ظِلٌّ لشيءٍ غابْ
أقامهمْ عَرَبٌ    أعياهمُ الإعرابْ
--
وأنَّ ثُوَّارَنَا    محترفُو ثَوْرَةْ
وأننا – كُلَّنا -   مُصفِّقٌ مُكْرَهْ
--

كانت مناظرَنا،    فأصبحتْ حُلْمَا
يا غيبُ نَبِّيءْ، تُرَى    أَنَلتْقي يومَا
--
القدسُ "كانت" لنا،    أسْرفتِ يا أيامْ
فهلْ بها ما بنا،   أمْ سكنَ التَّهْيامْ
--
بَغَى الذين بَغَوْا    قبلُ على موسَى
وظَلَّ يشتُمهُمْ    - حتى قضَى – عيسىَ
--
لسنا الذين رَمَوْا    بهمْ إلى المنفَى
هذي مـديـنـتُـنـا    ألْــفًــا تَلَتْ ألْــفَـا
--

لـمـّا قَـصَـدْنـاهـا    مـفـتـاحـُهـا لَـبَّـى
فـمـا أردنـاهـا    مُـسْـلـمـةً غَـصْـبَـا
--
صُلْبانُها خَرَجتْ    تستقبلُ الأَهْلا
مِنْ بَعْدِ ما عَرَفتْ    أنـَّا بـهـا أوْلـَـى
--
عـلـى مـداخـلِـهـا    سـيـوفُـنَـا خـَشَـعـتْ
وعاهَدَتْنا، فما   خُنّا، ولا خَدَعتْ
--
وصاحَبَتْنا فما    كُنَّا سِوى الأبرارْ
هَلْ أنكرتْ وُدَّنا    نحنُ- حُماةَ الجارْ
--

هَلْ أضمرتْ نَأْيَها    كلَّا ، عَدَاها العارْ
ما كان ذا رأيَها،    ذلك رأىُ النارْ
--
راحتْ لهمْ يدُنا    تَسْعَى فَردُّوها
قُلْنا : سلامٌ، وما   قلنا استبيحوها
--
لَجَّ الغرورُ بهمْ    لأنهمْ قَدَروا
لأنهمْ أَمَرُوا    ونحنُ نأتمرُ
--
بوحِي لنا بُوحِي    يا قُبةَ الصخرةْ
أفضِي إلى الريحِ،   ولوْ بما نكرَهْ
--

"مَنْ أنتمُ ، وَيْحَكمْ،    ما هذه السَّكْرةْ
كأنما ضُرِبتْ    عليكمُ الحَيْرَةْ
--
رأيتُكم كَثْرَةْ    لكنْ بلا قُدْرَةْ
رأيتُكمْ عَرَبًا    فَاتَتْهمُ الغَيْرةْ
--
جَهِلْتمُ الإمْرَةْ    يا عاشقي الإمرَةْ
وأنتمُ أَعْبُدٌ    لا أنفُسٌ حُرَّةْ
--
تركتُموني هنا    أمشِي على الشَّوكِ
تاريخُكمْ وأنا    في قبضةِ الشّرْكِ
--

أمسلمونَ، إذَنْ    جهلتمُ النُّسْكا
مَنْ ضَنَّ بالنفسِ ما    صلَّى ولا زَكَّى
--
أمسلمونَ ، أَجَلْ،    لـكـنْ بـلا ديـنِ
حـتـى يـُجـَمِّـعَـكُـمْ    جـُرحُ الـمـلايـيـنِ
--
ضاعَ دمٌ سالَ مِنْ    أفـئـدةٍ شَـتَّـى
ألَـمْ يئِنْ لكمُ    أنْ تُحْسنوا الموتا"
--
قلنا: حنَـانَـيـْكِ،   رفْـقًـا بـعـيـنَـيـْكِ
يا قـدسُ ، يا قـُدسَـنَـا،    لبَّيْكِ لبيكِ
--

سنَلْتقِي في غَدٍ،   برغْمِ ما تَشْكِينْ
ما دامَ في رُوحنا    يَسْري صلاحُ الدينْ
--
إنَّ الأُلَى صَنَعُوا    بِبَأْسِهِمْ حِطّينْ
لَـحـارِقٌ دَمُـهُـمْ    أفـاعـيَ التَّوْهينْ
--
ذَلَّ ترابٌ لهمْ،    وأذعنتْ سِككُ
أمـّا عـزائـمُـنـا    فـلـيـس تُـنْـتَـهَـكُ
--
ما زال في الإمكانْ    يا شَامُ يا لبنانْ
يا مصرُ يا سودانْ    أبدعُ مما كانْ
--

وإنْ كَـبـا يومُنا    فما كَـبـا الأمسُ
لَطالما غَرَبتْ    وأشرقتْ شمسُ
--
لن نستكينَ ولَوْ    تَـهَـوَّدَ الـفَـلَـكُ
كلّا ، ولو مَلَكوا   أضعافَ ما مَلَكوا
--
"للسَّلْم قد جَنَحوا"   قُلنا: "كفَى زُورا"
لَطالما ذبَحوا،    وهدَّموا الدُّورا
--
لو أَشْفَقُوا أَشْفَقُوا    على صِبا يوسُفْ
 ومَنْ أَثِـمْنَا إِذا    قيلتْ لديْهِ : أُفّْ
--

يا آلَ يعقوبَ كمْ    في جَوْفِكمْ مِنْ جُبّْ
يا وَرْىَ أكبادِهمْ    مِنْ أينَ يأتي الحُبّْ
--
والليلِ إذْ أَدْبرْ،    والصبحِ إذْ أسفرْ
لَـيَـطْـلُـبـُنَّ غـدًا    أنْ يـدخـلـوا خَـيْـبَـرْ
--
ستطمعُ السِّكينْ    إذا جَرَتْ في لينْ
ولـم تُثِرْ غَضَبًا   جنايـةُ الجانِـيـنْ
--
وليس فيما كانْ    ما كان في الحُسْبانْ
ننسَى ، وها هي ذي    عقوبةُ النسيانْ
--

كـانـتْ لـنـا يـافـا    كـانـت لـنـا عـَكَّـا
والآن مـاذا هـمـا    حـكـايـةٌ تُـحْـكَـى
--
نـاحـتْ أغـانـيـنـا   تـقـولُ واأسـفـا
تـبـكِـي وتُـبـكـيـنـا    عـلى الذي سلَفا
--
"كانت لنا أوطانْ    – وتدمعُ العينيانْ –
يا عدلُ أين الآنْ،   أين الذي قد كانْ!
--
لِغَيْرنا الغيطانْ،    وزَهْرُها الرَّيّانْ
لـِغَـيـْرنـا عَبَقتْ    نسائمُ الرَّيْـحَـانْ
--

نشتاقُ يا ظِــلُّ،    نشتاقُ يا فــُلُّ
نشتاقُ يـا وطـنـًا    ينْحَلُّ ينحَلُّ"
--
قُلنا: دَعُوا الأحزانْ   لحائطِ المبْكَى
نخشَى يَـجِيئُ زمانْ   يدكُّنا دَكَّا
--
الفُلُّ لا يُؤْسَى   عليه والنِّسْرينْ
مصابُنا أقسَى    مِنْ أَرَجٍ مسجونْ
--
مصابُنا الألحانْ،    وتافِهٌ فنَّانْ
غنَّى، وغادَرَنا    كالدودِ والجُرْذانْ
--

مـصـابـُنـا أَنَّـا    هُـنَّـا، وَلـَكِـنَّـا
كأننا – مِنْ رِضىً   بالذلِّ – ما هُنّا
--
قُلنا: دعوا الشكوَى،    العدلُ أنْ نقوَى
وابكُوا الكرامةَ إنْ   تبكُوا على المأوىَ
--
كانـت لـنـا يـافـا    كانـت لـنـا عَـكَّـا
قلنا: قضاءٌ جرى،   لكن ْكَفىَ تَرْكا
--
أمّا السلامُ فذا    لفظٌ بلا مَعْنَى
إِذْ إنَّ كُـــلًّا على    ليلاهُ قد غَنَّى
--

قلنا: ومَنْ لم يَذُدْ    عَنْ حوضِه يُهْدَمْ
والظّلمُ طَبْعٌ، فَمَنْ  … لم يَدَّرعْ يُظلَمْ
--
أمّا السلامُ الذي    لم يَحْمِه سَيْفُ
فهو السحابُ الذي    بــدَّدَه صـيـفُ
--
إنّـا سـواءٌ إذا    مـا سـنـَحَ القَـطْـفُ
فما عَفَفْنا مُريدينَ،    ولا عَــفـُّـوا
--
حَمَائمُ الأَيـْكِ لـم    تَـسْـتـحـرم الفَـتـْكـا
لو استطاعتْ رَمَتْ    لـِتـمـنـعَ الأَيـْكـا
--

يا قدسُ لنْ نبكِي،    يا قدسُ لنْ نبكِي
إنْ لم يجئْ حقُّنا    طوْعًا، فبالسَّفكِ
--
والنَّجْمِ إذْ ينحَلّْ    محمدٌ ما ضَلّْ
همُ العدوُّ، غلا    عداؤُهمْ أوْ قَلّْ
--
ووالذي أَسْرَى    بعَبْدِه في اللَّيْلْ
لَنَرجِعَنْ قَسْـرَا،    بِرَغْمِ أنفِ الويلْ
--
والتينِ والزيتونْ،    وطورِ سِينينا
والبلدِ  الـمَأْمونْ،    إنَّـا لَمُوفونــا
--
الحساني حسن عبدالله