الثلاثاء، 12 مايو 2015

رسالةٌ إلى صاحب عاشق

                    رسالةٌ إلى صاحب عاشق
في مثل هذه الأيام، قبل خمسةِ قرونٍ، ألقى آخرُ ملوكنا في الأندلس نظرتَه الأخيرةَ على الوطن الغارب الذي ظل في يدنا ثمانيةَ قرون، غَلَبَهُ الانفعالُ؛ فبكى، لكنَّ أمه كان لديها انفعالٌ من نوع آخر، التفتت إليه قائلة :
اِبْكِ مثل النساء مُلْكًا مُضَاعـًا ..... لـم تحافـظ عليـه مثلَ الرجـالِ
إلى شهدائنا هناك الذين سقطوا في ساح المعارك وشهدائنا الذين ظلوا في مواطنهم بعد آخر معركة؛ ليُذبحوا في بيوتهم أو ليُجبروا على التَّنَصُّر .
إلى أولئك المجبرين على ترك دينهم الذين كان أحدهم يُلَقَّنُ كلماتِ النصرانية فَيَفْجَأُ القسيسَ بكلمات أخرى: (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) .
إلى شهدائنا في الأندلس، وفي كل أندلس قادمة إذا قدر الله، حتى يأذن سبحانه بالفرج، ويجيئنا بالنصر؛ لِيَدْخُلَ خَلْقُهُ في الدين أفواجا .


بانتْ سُعَادُ فلا يـُتْلِفَنْ فُؤادَكَ بـَيْـنُ
نريدُهُ لِلَيَالٍ أَقْسَى ، أراها تدنو
حَنَّتْ حناياكَ لما مضى من الليل وَهْنُ
وأنتَ سهرانُ تَسْتَنْطِقُ الخيالَ ، تُـجَنُّ
فهل أتاك حديثُ الطُّغاةِ لما اطمأنوا
وقيل جَدَّ جديدٌّ ، وخالسَ الغيبَ جِنُّ
وكاد يُلقي عصاهُ بعد التَّـرَحُّلِ كَـوْنُ
كأنَّ شَمْسَكَ هَذِي ما ذَرَّ منها قَرْنُ
كأنَّ أَمْسَكَ دارٌ عَفَتْ ، ورَسْمٌ ، ودِمْنُ
حَنَّتْ حَناياكَ حتى أَبْدَى الصبابةَ جَفْـنُ
فهل أتاك حديثُ الجياعِ لما حَنُّـوا
وأنَّ ما هَاجَ تَـحْنَانَهُمْ : دقيقٌ وسمنُ
رَمَى رماةٌ فَقُلْنَا : لا بأسَ ، شُنُّوا وشُنُّوا
وإنما قالَ مِنْ قَبْلِ أنْ نقولَ : الدَّيْـنُ
وإنما قالَ مِنْ قَبْلِ أنْ نقولَ : الجُبْـنُ
سَنُّوا لَنَا ، وَلَعَمْرِي لو نَرْتَضِي ما سَنُّوا
لسوف نغدو هُنُودًا حُـمْرًا ، خَلَاكَ الأفْنُ
يا صَاحِ ما جَدَّ شيءٌ ، وإنما جَدَّ مَيْنُ
سَيَدْفَـعُ الناسَ ناسٌ ، وغيـرُ ذلك دَهْنُ
ومنذُ كان زمانٌ والناسُ ذئبٌ وضأنُ
ولن يزولَ من الأرض عَـدْلُـهُـمْ والغَبْـنُ
إِلَّا إذا جاءَ كُلَّ الذي عليها الحَيْنُ
أمَّا لماذا؟ ، فَشُغْلِي بـِذَا وشُغْلُكَ وَهْنُ
والخَيْرُ عند المـَوَاضِي ، عند العَوَالِي تُسَنُّ
لِيَجْرِيَ الدمُ نَـهْرًا ، أَوْ يَـتَّـقِـيـنـا الطَّعْنُ
الخَيْرُ شَمْلٌ ولَـمٌّ ، ومَـهْـيَعٌ مُسْتَسَنُّ
وأنتَ في الأصل جُزْءٌ ، ماءٌ وصُلبٌ وهَنُّ
أبٌ ، ولكنَّكَ ابْنٌ ، وجَدُّ أجدادكَ ابْـنُ
مَالِي رَأيتُكَ تُـنْـمَـى فَيَـفْجَـأُ الحَبْلَ خَتْـنُ
وهَلْ يُقـالُ لِغُصْنٍ أَهْوَتْهُ فَأْسٌ غُصْنُ
تَـمَيَّزَ النّاسُ فانظرْ مَنْ في الخلائقِ نحْنُ
حَالَ الزّمانُ وحُلْنـا ، والعَيْشُ صَفْـوٌ وأَجْنُ
قد جَـمَّعَتْـنـَا بَوَادٍ ، وفـرَّقَـتْـنا مُدْنُ
كانتْ قُرَيْشُكَ أُمًّا ، فَأَيْنَ ذَاكَ الحِضْنُ
أَتَى سَمَرْقَنْدَ فَـخْذٌ ، وحَلَّ طَنْجَةَ بَطْنُ
ثُمَّ انْتَهَيْنَا كأنَّ الرِّجَالَ في الرِّيحِ تِبْنُ
وليس هذا بِرَأْيٍ ، الرَّأْيُ أَنْفٌ يَصِنُّ
وَأَنْ تُفَدِّيَ خِـدْنـًا ، وَأَنْ يُـفَدِّيكَ خِدْنُ
صَدَّ العَوَاصِفَ دَوْحٌ ، وَوَاجَهَ القِرْنَ قِرْنُ
وَالخَيْرُ شَمْلٌ ولَـمٌّ ، وَقِبْلَتَانِ ، ورُكْنُ
فَصُمْ وصَلِّ ، وَأَحْرِمْ ، وَلْيَـمْحُ رَيْـبَكَ يَـقْـنُ
وَاكْفُرْ إذا شِئْتَ لَكِنْ محمدٌ لا يُزَنُّ
لَوْ زَالَ ؛ زَالَ عن البَرِّ والغَوِيِّ الـمِجَنُّ
ياصَاحِ حَالَ زمانٌ ، وغَافَلَتْنَا السِّنُّ
فَأَيْنَ أنتَ وأَيْنِي في العَالَمينَ ونَحْنُ
رَأَى بَيَاضُ النَّصارى أنَّ الخَسَاسَةَ لَوْنُ
وأنَّ حِبْرِي لِأنِّي لِلْوَاحِدِ الفَرْدِ أَعْنُو
ذَنْبٌ يُـعَاقَبُ فِيهِ طِفْلٌ وشَيْخٌ مُسِنُّ
فكيف يَطْلُعُ يومٌ تَضُمُّنا فيهِ عَـدْنُ
وكيف يَجْزِي هَوَانَ المـُهَانِ سَلْوَى ومَنُّ
متى رأيتَ حِذَاءً على تُرابٍ يـَحْنُو
حَالَ الزَّمَانُ ، وَقَدْ آنَ للشَّهَادَةِ أَيْنُ
فلا تُكَنِّ إذا قالت الكرابـيجُ : كَنُّوا
وَإِنْ يَـخُنْكَ مَلِيكٌ فَقُلْ : أَجَلْ هُوَ خَوْنُ
أَوْ قِيلَ : عَهْدٌ جديدٌ ، فَقُلْ : دُجَىً ودُجُنُّ
وَكَالشَّمَالِ جَنُوبٌ لَوْ أَضْمَرَ الشَّرَّ جَوْنُ
يا صَاحِ غَنَّتْ قِيَانٌ لِكَيْ يُرَاخِيكَ لَـحْنُ
فلا يُشِعْ فِيكَ أَمْنًا ذاكَ الخَريرُ الأَغَنُّ
ولا يُشِعْ فِيكَ أَمْنًا فى البَرْدِ صُوفٌ وقُطْنُ
ولا يُشِعْ فِيكَ أَمْنًا كَأْسٌ ، ونُـقْلٌ ، وكِـنُّ
رَمَى رُماةٌ فَولَّى لَمَّا ذَلَلْنَا الأَمْنُ
والأمرُ للهِ ، يَكْبو الجَوادُ وَهْوَ رِفَـنُّ
وإنْ أُحِمَّ قضاءٌ ، فليس للخلق إذْنُ
بانتْ سُعَادُ ، وباتتْ بَغْدادُ وَهْيَ تَئِـنُّ
عَنَّاكَ حُبٌّ وعَنَّى رَبَّ العِراقَيْنِ ضِغْـنُ
وبَيْنَ حُرٍّ وعَبْدٍ – يا ابْنَ الأَعِزَّةِ - بَـوْنُ
خَلَاكَ ذَمٌّ ، يَذِيمُ الرِّجَالَ أَنْ يَرْفَـئِـنُّوا
وَهُمْ يـَرَوْنَ عَدُوًّا في ذَبْحِهِمْ يَـفْـتَـنُّ
تَبْدو السَّكَاكِينُ حِينًا ، وحِينَةً تستَجِنُّ
أَبْلِغْ سُعَادَكَ أَنَّ السَّرِيرَ قَيْدٌ وسـِجْنُ
أنَّا وُجِدْنا لِمَعْنًى غَبَاهُ فَرْجٌ وبَطْنُ
أنَّ النَّوَافِذَ وَعـْدٌ ، جَنًى تُوَالِيهِ أَجْنُ
شُقَّتْ فِجَاجٌ ، فهذا سَهْلٌ ، وذَلِكَ حَزْنُ
لِيَسْتَثِيرَ خَيَالَ الوِدْيانِ قُنٌّ ورَعْنُ
وغَيْمَةٌ كَنَدِيفٍ شَفَّتْ ، وأخرى دَجْنُ
شُقَّتْ فِـجَاجٌ لِيَجْتَازَ ظاعِنُون وظُعْنُ
وتَمْخُرَ البرَّ والبحرَ والسمواتِ سُفْنُ
وتَحْتَفِـي بِطُيورٍ غِبَّ الـجُهَـيْدَى وُكْـنُ
يا صَاحِ غَنَّتْ قِيَانٌ لِيَسْتَمِيلَكَ مَـجْنُ
وعَلَّـمَ البنتَ درسًا في كيف تَعْرَى تِقْـنُ
والرَّقْصُ إنْ كانَ فـنًّا فَصَوْنُ عِرْضِكَ فَنُّ
وَلَدْتَ لِلْعَارِ بِنْتـًا لِغَيْرِ حِلٍّ تَرْنُـو
أَبْلِغْ سُعَادَكَ أَنَّ العَفَافَ أَيْضًا حُسْنُ
دَعَـاكَ في شَفَتـَيْهَـا ، وَوَجْنَتَـيْهَـا ، دُهْنُ
وسوف يَبْقَى طِبَاقٌ ، مَهْمَا اسْتَفَاضَ الرَّيْنُ
حَتَّى القِيَامَةِ ، يَبْقَى زَيْنٌ ، ويَبْقَى شَيْنُ
أَفْدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ لم يُـغْوِهِنَّ الرَّطْنُ
ولا تَخَاضَعْنَ كَيْ يَسْتَبِيكَ جَرْسٌ لَيْنُ
ولا تَثَنَّى إذا ما سِرْنَ القَوَامُ اللَّدْنُ
يا صَاحِ حَالَ زمانٌ ، وغَـافَلَتْنَا السِّنُّ
ورَاحَ يُذْوِي لِأَمْرٍ وَجْهِي ووَجْهَكَ غَضْنُ
فلا تَشَكَّ ، تَدَنَّى حُزْنٌ ، وأَشْرَفَ حُزْنُ
بِنَاءُ فِرْعَوْنَ ذَرٌّ ، وطُورُ سِينِينَ عِهْنُ
وليس إلَّا سَدِيـمـًا خَصْرٌ ، ونَـهْدٌ ، وعَيْـنُ
فَاسْتَمْسِكَنَّ إلى أَنْ يَضِيقَ بالماءِ شَنُّ
لَسْنا الذين حُشينا قَشًّا ، وَإِنْ رُضَّ مَتْـنُ
لَسْنا زِقـَاقَ رياحٍ ، لَسْنَا ذُبَابًا يَدِنُّ
وَإنْ يكنْ لَكَ أمسٌ ، ففي غـدٍ لَكَ شَأْنُ
نَحْنُ الذين إذا ما دعـا الرَّدى ما ضَنُّوا
صَلَّوْا وصَامُوا ، وَلَكِنْ عند الكريـهةِ جُنُّوا
سَاقَتْ لَنَا حَيْثُ تَهْمِي خَرَاجَـهُنَّ المـُزْنُ
إنِّي لَمَحْتُ جَنينًا تحتَ الرَّمادِ يَـعِنُّ
اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، ولَنْ يُحِبَّكَ لُكْنُ
والنُّبْلُ صَعْبٌ فَأَيَّانَ تَسْتَقِيمُ اللُّسْنُ
يا صَاحِ أَحْسِنْ ، فَبُغْيَا الكَمَالِ فرضٌ عَـيْـنُ
ولا تُهَوِّنْ مَقَالَ الخَلِيلِ : خَبْلٌ ، وخَبْنُ
العَبْقَرِيَّةُ وَحْيٌ ، والعَبْقَرِيَّةُ وَزْنُ

الحسَّاني حسن عبدالله
***
__________________